سورة مريم - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (مريم)


        


{وَوَهَبْنَا لَهُ مِن رَّحْمَتِنَا} من أجل رحمتنا له وترؤفنا عليه {أَخَاهُ} مفعول {هارون} بدل منه {نَبِيّاً} حال أي وهبنا له نبوة أخيه وإلا فهارون كان أكبر سناً منه.
{واذكر فِى الكتاب إسماعيل} هو ابن إبراهيم في الأصح {إِنَّهُ كَانَ صادق الوعد} وافيه. وعد رجلاً أن يقيم مكانه حتى يعود إليه فانتظره سنة في مكانه حتى عاد، وناهيك أنه وعد من نفسه الصبر على الذبح فوفى. وقيل لم يعد ربه موعداً إلا أنجزه، وإنما خصه بصدق الوعد وإن كان موجوداً في غيره من الأنبياء تشريفاً له ولأنه المشهور من خصاله {وَكَانَ رَسُولاً} إلى جرهم {نَبِيّاً} مخبراً منذراً {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ} أمته لأن النبي أبو أمته وأهل بيته وفيه دليل على أنه لم يداهن غيره {بالصلاة والزكاة} يحتمل أنه إنما خصت هاتان العبادتان لأنهما أما العبادات البدنية والمالية {وَكَانَ عِندَ رَبّهِ مَرْضِيّاً} قرئ {مرضوا} على الأصل {واذكر فِى الكتاب إِدْرِيسَ} هو أخنوخ أول مرسل بعد آدم عليه السلام، وأول من خط بالقلم وخاط اللباس ونظر في علم النجوم والحساب واتخذ الموازين والمكاييل والأسلحة فقاتل بني قابيل. وقولهم سمي به لكثرة دراسته كتب الله لا يصح لأنه لو كان (أفعيلاً) من الدرس لم يكن فيه إلا سبب واحد وهو العلمية وكان منصرفاً فامتناعه من الصرف دليل العجمة {إِنَّهُ كَانَ صِدّيقاً نَّبِيّاً} أنزل الله عليه ثلاثين صحيفة {وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً} هو شرف النبوة والزلفى عند الله. وقيل: معناه رفعته الملائكة إلى السماء الرابعة، وقد رآه النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج فيها. وعن الحسن: إلى الجنة لا شيء أعلى من الجنة وذلك أنه حبب لكثرة عبادته إلى الملائكة فقال: لملك الموت أذقني الموت يهن عليّ ففعل ذلك بإذن الله فحيى وقال: أدخلني النار أزدد رهبة ففعل، ثم قال: أدخلني الجنة أزدد رغبة، ثم قال: اخرج فقال: قد ذقت الموت ووردت النار فما أنا بخارج من الجنة فقال الله عز وجل: بإذني فعل وبإذني دخل فدعه.


{أَوْلَئِكَ} إشارة إلى المذكورين في السورة من زكرياء إلى إدريس {الذين أَنْعَمَ الله عَلَيْهِم مّنَ النبيين} {من} للبيان لأن جميع الأنبياء منعم عليهم {مِن ذُرّيَّةِ ءادَمَ} {من} للتبعيض وكان إدريس من ذرية آدم لقربه منه لأنه جد أبي نوح {وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} إبراهيم من ذرية من حمل مع نوح لأنه ولد سام بن نوح {وَمِن ذُرّيَّةِ إبراهيم} إسماعيل وإسحاق ويعقوب {وإسراءيل} أي ومن ذرية إسرائيل أي يعقوب وهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى لأن مريم من ذريته {وَمِمَّن} يحتمل العطف على {من} الأولى والثانية {هَدَيْنَا} لمحاسن الإسلام {واجتبينا} من الأنام أو لشرح الشريعة وكشف الحقيقة {إذا تتلى عليهم ءايات الرحمن} أي إذا تليت عليهم كتب الله المنزلة وهو كلام مستأنف. إن جعلت {الذين} خبراً ل {أولئك} وإن جعلته صفة له كان خبراً. {يتلى} بالياء: قتيبة لوجود الفاصل مع أن التأنيث غير حقيقي {خَرُّواْ سُجَّداً} سقطوا على وجوههم رغبةً {وَبُكِيّاً} باكين رهبة جمع باكٍ كسجود وقعود في جمع ساجد وقاعد في الحديث: «اتلوا القرآن وابكوا وإن لم تبكوا فتباكوا» وعن صالح المري: قرأت القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي يا صالح: «هذه القراءة فأين البكاء؟» ويقول في سجود التلاوة سبحان ربي الأعلى ثلاثاً.
{فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ} فجاء من بعد هؤلاء المفضلين {خَلْفٌ} أولاد سوء وبفتح اللام العقب الخير. عن ابن عباس: هم اليهود {أَضاعُوا الصلاة} تركوا الصلاة المفروضة {واتبعوا الشهوات} ملاذ النفوس. وعن عليّ رضي الله عنه: من بنى الشديد وركب المنظور ولبس المشهور. وعن قتادة رضي الله عنه: هو في هذه الأمة {فَسَوْفَ يَلْقُونَ غَيّاً} جزاء غي وكل شر عند العرب غي وكل خير رشاد. وعن ابن عباس وابن مسعود: هو وادٍ في جهنم أعدّ للمصرين على الزنا وشارب الخمر وآكل الربا والعاق وشاهد الزور.


{إِلاَّ مَن تَابَ} رجع عن كفره {وَآمَنَ} بشرطه {وَعَمِلَ صالحا} بعد إيمانه {فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجنة} بضم الياء وفتح الخاء: مكي وبصري وأبو بكر {وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً} أي لا ينقصون شيئاً من جزاء أعمالهم ولا يمنعونه بل يضاعف لهم أو لا يظلمون شيئاً من الظلم {جنات} بدل من {الجنة} لأن الجنة تشتمل على جنات عدن لأنها جنس أو نصب على المدح {عَدْنٍ} معرفة لأنها علم لمعنى العدن وهو الإقامة أو علم لأرض الجنة لكونها مقام إقامة {التى وَعَدَ الرحمن عِبَادَهُ} أي عباده التائبين المؤمنين الذين يعملون الصالحات كما سبق ذكرهم ولأنه أضافهم إليه وهو للاختصاص وهؤلاء أهل الاختصاص {بالغيب} أي وعدها وهي غائبة عنهم غير حاضرة أو هم غائبون عنها لا يشاهدونها {إِنَّهُ} ضمير الشأن أو ضمير الرحمن {كَانَ وَعْدُهُ} أي موعوده وهو الجنة {مَأْتِيّاً} أي هم يأتونها {لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا} في الجنة {لَغْواً} فحشاً أو كذباً أو ما لا طائل تحته من الكلام وهو المطروح منه، وفيه تنبيه على وجوب تجنب اللغو واتقائه حيث نزه الله عنه داره التي لا تكليف فيها {إِلاَّ سلاما} أي لكن يسمعون سلاماً من الملائكة أو من بعضهم على بعض، أو لا يسمعون فيها إلا قولاً يسلمون فيه من العيب والنقيصة فهو استثناء منقطع عند الجمهور. وقيل: معنى السلام هو الدعاء بالسلامة ولما كان أهل دار السلام أغنياء عن الدعاء بالسلامة، كان ظاهره من باب اللغو وفضول الحديث لولا ما فيه من فائدة الإكرام {وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً} أي يؤتون بأرزاقهم على مقدار طرفي النهار من الدنيا إذ لا ليل ولا نهار، ثم لأنهم في النور أبداً وإنما يعرفون مقدار النهار برفع الحجب ومقدار الليل بإرخائها. والرزق بالبكرة والعشي أفضل العيش عند العرب فوصف الله جنته بذلك. وقيل أراد دوام الرزق كما تقول (أنا عند فلان بكرة وعشياً) تريد الدوام.

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9